
الإتحاد من أجل العدالة: بين جرافات تقتلع أشجار الزيتون ومستوطنين يسرقون المحاصيل
27/10/2025- الاتحاد من أجل العدالة
تتصاعد في الضفة الغربية اعتداءات المستوطنين تحت حماية جيش الاحتلال، بين جرافاتٍ تقتلع أشجار الزيتون ومستوطنين يسرقون المحاصيل، في مشهدٍ يعكس سياسة ممنهجة تستهدف الإنسان والأرض معًا. ما يجري لم يعد مجرد انتهاكات متفرقة، بل حلقة من جرائم مستمرة تهدف إلى اقتلاع جذور الوجود الفلسطيني وتجفيف منابع الحياة التي تشكّل رمز صموده وهويته
تعيش الضفة الغربية في هذه الفترة واحدة من أقسى فصول الاعتداء على الأرض والإنسان، فالمشهد اليومي يتكرر بين جرافات تقتلع أشجار الزيتون ومستوطنين يسرقون المحاصيل تحت حماية جيش الاحتلال. لم يعد المشهد مجرد خبر عابر، بل أصبح سياسة ممنهجة تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها وتجفيف جذور الحياة التي عاش عليها الفلسطينيون لأجيال. شجرة الزيتون، رمز الصمود الفلسطيني، تُقتلع من جذورها في وضح النهار، لتتحول الأرض الخضراء إلى مشهد من الدمار المقصود. ما يجري لا يمكن وصفه إلا بأنه حرب على الهوية، فكل غصن يُكسر هو ذاكرة تُمحى، وكل حبة زيتون تُسرق هي لقمة عيش تُغتصب من يد صاحبها. عشرات القرى في مختلف مناطق الضفة تشهد يوميًا عمليات اقتلاع وتخريب وسرقة للمحاصيل الزراعية، بينما يقف المزارعون عاجزين أمام آلة البطش، يُمنعون من الوصول إلى أراضيهم أو يُعتدى عليهم إن حاولوا الدفاع عنها. هذه الأفعال ليست حوادث متفرقة كما يروّج البعض، بل هي سلسلة مترابطة تشهدها القرى الفلسطينية مع بداية موسم الزيتون من كل عام، في محاولة متكررة لكسر ارتباط الفلسطيني بأرضه.
الزيتون.. رمز الصمود تحت الجرافات
خلال شهر واحد فقط، سُجّل اقتلاع ما يقارب ثلاثة آلاف شجرة زيتون في إحدى المناطق، ضمن موجة تخريب ممنهج طالت آلاف الدونمات الزراعية. وتشير تقارير والإحصائيات إلى أن المعدّل الشهري لعدد الأشجار التي يتم تدميرها أو اقتلاعها في الضفة يتراوح ما بين 2500 إلى 10,000 شجرة زيتون، وهي أرقام صادمة تعكس حجم الكارثة البيئية والاقتصادية والإنسانية التي تتعرض لها المنطقة وفي تاريخ 7/10/2025 قامت مجموعة من المستوطنين بتكسير أكثر من مئة شجرة زيتون في خربة أم الخير بمسافر يطا، هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات باردة، بل قصص مؤلمة لعائلات فقدت مصدر رزقها الوحيد، والأرض كانت شاهدة على تاريخها وصمودها. ومع كل عملية اقتلاع جديدة، تُغرس في نفوس الفلسطينيين جذور أعمق من التحدي والإصرار، لأن الأرض بالنسبة لهم ليست ملكًا فحسب، بل انتماء وكرامة ووجود.
الاعتداء على شجرة الزيتون هو اعتداء على الذاكرة الجماعية للفلسطينيين، فهي الشجرة التي ورثها الأب عن الجد، وزرعها للأبناء والأحفاد، ، ويحتفلون بموسمها كأنّه عيد وطني. لذلك حين تُقتلع هذه الشجرة من الأرض، يشعر الفلسطيني وكأن جزءًا من قلبه يُنتزع معه. ورغم الحزن العميق الذي يرافق مشهد الجرافة وهي تطيح بجذور الشجرة، يبقى الأمل حاضراً في كل يد فلسطينية تعيد زراعة ما دُمّر، في مشهد يلخّص معنى الصمود الحقيقي.
سرقة المحاصيل تحت حماية الجيش
إن سرقة ثمار الزيتون أصبحت بدورها جزءًا من سلسلة الاعتداءات اليومية، فالمستوطنون لا يكتفون بتدمير الأشجار، بل يتسللون لقطف الثمار قبل أصحابها، في وضح النهار وأمام الكاميرات، بينما يُمنع المزارعون من دخول أراضيهم بحجج أمنية واهية. تُسرق المحاصيل التي تعب فيها المزارع طوال العام، ثم تُباع في الأسواق الإسرائيلية وكأنها نتاجهم. إنّها سرقة مزدوجة، سرقة للأرض والجهد وللتاريخ.
ورغم كل هذا الخراب، لا يزال الفلسطيني يواجه الاعتداء بالحبّ، يزرع بدل كل شجرة عشرًا، ويحوّل وجعه إلى فعل مقاومة هادئ، لأنه يدرك أن الأرض لا تُحمى بالسلاح فقط، بل بالتمسّك بها وزراعتها والبقاء عليها. في كل موسم زيتون، يصبح الحقل ساحة مواجهة بين من يريد أن يزرع الحياة ومن يريد أن يزرع الخراب، ومع ذلك ينتصر المزارع في كل مرة لأنه لا يغادر. يروي شجره بعرقه ودموعه ويقول: “هذه أرضي، وهذه شجرتي، وهنا سأبقى”.
لقد تحوّل موسم الزيتون في الضفة إلى فصل من فصول التحدي، يجتمع فيه الأهالي كبارًا وصغارًا في الحقول رغم الخطر، يقطفون الثمار بأمل لا ينكسر، يغنون للأرض ويغرسون جذورهم فيها أكثر فأكثر. ومع كل شجرة تُقتلع، تولد في المقابل مئات الحكايات عن الثبات والعطاء. فالأرض التي تُسقى بالصبر لا تموت، وشجرة الزيتون التي عمرها مئات السنين لا تعرف الانكسار. ما يحدث اليوم في الضفة الغربية ليس مجرد اعتداء على الزراعة، بل محاولة لطمس هوية كاملة، ولكن الفلسطينيين يثبتون في كل مرة أن من وُلد على هذه الأرض لن يتركها، وأن الزيتون سيبقى شاهداً على صبرهم، تمامًا كما كانت جذوره تمتد عميقًا في التراب، لا تهزها الرياح ولا تقتلعها الجرافات.
جريمة منظمة وفق القانون الدولي
إنّ ما يحدث في الضفة الغربية من تدميرٍ للأشجار وسرقةٍ للمحاصيل الزراعية يشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وجريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تحظر على القوة المحتلة تدمير الممتلكات الخاصة أو الاستيلاء عليها إلا لضرورة عسكرية قصوى، وهو ما لا ينطبق على ما يجري في الأراضي الفلسطينية. كما يعتبر نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن تدمير الممتلكات والاستيلاء عليها دون مبرر عسكري وعلى نطاق واسع يشكّل جريمة حرب تستوجب المحاسبة. وتؤكد قرارات الأمم المتحدة المتكررة على أن استغلال الموارد الطبيعية في الأراضي المحتلة عمل غير قانوني، ما يعني أن كل شجرة تُقتلع وكل محصول يُسرق هو انتهاك للقانون الدولي واعتداء على حق الشعب الفلسطيني في أرضه وموارده. ويستوجب تحركًا عاجلًا من الجهات الدولية المختصة لوقف هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، وضمان حق الفلسطينيين في أرضهم وممتلكاتهم ومواردهم الطبيعية. وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، وستظل شاهدة على ظلمٍ ممنهجٍ يُرتكب في وضح النهار، في انتظار عدالةٍ دولية تنصف الأرض وأصحابها. ورغم كل هذا الخراب، يواصل الفلسطيني زراعة أرضه كفعل مقاومة يومي، مؤمنًا بأن الجذور التي تمتد في التراب أعمق من كل جرافة، وأن الزيتون سيبقى شاهدًا على صموده مهما طال الاحتلال.
انتهى