
الإتحاد من أجل العدالة: أن القانون الإسرائيلي يُعد تصعيدا خطيرا وجريمة حرب جديدة بحق الأسرى
08/11/2025- الاتحاد من أجل العدالة
يشكل ما يعرف بمشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذي أقرّته لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي في القراءة الأولى سابقة خطيرة في تاريخ التشريع الإسرائيلي، إذ يمنح هذا القانون غطاء قانونيا لقتل الأسرى الفلسطينيين داخل السجون أو بعد محاكمات تفتقر إلى أبسط معايير العدالة. هذا القانون لا يشرعن فقط الإعدام المباشر، بل يمهد لمرحلة جديدة من العنف الممنهج ضد الأسرى الفلسطينيين الذين يعانون اليوم ظروفًا غير إنسانية تعد شكلا من أشكال الإعدام البطيء.
ومن خلال بحث ومقابلات أجرتها المؤسسة نقلت شهادات متعددة من الأسرى المفرج عنهم روايات مرعبة عن حجم ما يتعرض له المعتقلون داخل السجون ومراكز التحقيق من تعذيب جسدي ونفسي قاسٍ يشمل الضرب المبرح، الحرمان من النوم، الإهانة المستمرة، التجويع، وسحب الرعاية الصحية بشكل متعمد. ويترافق ذلك مع سياسة حرمان شاملة من الزيارات، بما في ذلك زيارات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي حُظر دخولها إلى السجون الإسرائيلية بموجب قرارات وإجراءات تستهدف المقاتلين الفلسطينيين الذين يفترض حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني. هذا الحظر ليس إجراء إداريا عابرا، بل هو انتهاك متعمد لجذر القانون والأخلاق، إذ يجرد الأسرى من حقهم الإنساني في التواصل مع العالم الخارجي، ويقطع آخر خيط يربطهم بالحماية الدولية.
ويؤكد مراقبون أن ما يجري اليوم داخل السجون الإسرائيلية ليس سوى تنفيذ تدريجي لما يسعى إليه مشروع القانون، أي تحويل الأسرى إلى ضحايا قتل بطيء يجري تحت غطاء قانوني. إن مشاهد التجويع الممنهج وحرمان الأسرى من الماء والدواء والرعاية الصحية تشكل في جوهرها عمليات تصفية صامتة، تهدف إلى إنهاك الجسد وإطفاء الإرادة، وهو ما وصفه بعض الحقوقيين بأنه “إعدام مؤجل”. وفي السياق نفسه، أنشئت مؤخرًا محاكم خاصة لأسرى قطاع غزة، وهي محاكم تفتقر لأي ضمانات قضائية، حيث يحاكم المعتقلون في جلسات مغلقة دون تمثيل قانوني أو رقابة مستقلة، ما يجعل نتائجها فاقدة لأي مشروعية قانونية. هذا الانحراف الخطير في مسار العدالة يمثل تدميرًا متعمّدًا لمبدأ سيادة القانون، وتحويلا للمؤسسة القضائية إلى أداة بيد السلطة العسكرية.
وفي ظل هذه الانتهاكات، عبّرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين عن موقفها الرافض لمشروع القانون واعتبرته “ترخيصا بالقتل العمد ضد الأسرى الفلسطينيين”، مؤكدة أن ما يجري داخل السجون هو قتل بطيء وإبادة ممنهجة من خلال التعذيب والتجويع والحرمان الطبي. ودعت الهيئة المجتمع الدولي إلى التدخل الفوري لحماية الأسرى، وفتح تحقيق مستقل في الجرائم التي ترتكب بحقهم. من جهته، شدد نادي الأسير الفلسطيني على أن هذا القانون يأتي تتويجًا لسياسة إسرائيلية قائمة منذ سنوات، هدفها تصفية قضية الأسرى وإنكار صفتهم القانونية كمقاتلين محميين بموجب اتفاقيات جنيف، مشيرا إلى أن شهادات الأسرى الذين أُفرج عنهم مؤخرا تكشف عن ممارسات تصل إلى مستوى جرائم الحرب.
أما وزارة الخارجية الفلسطينية، فأكدت في بيان رسمي أن مشروع قانون الإعدام يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان، وينتهك كل القواعد القانونية الدولية، محذرة من أن صمت المجتمع الدولي يشجع إسرائيل على المضي في سياساتها الإجرامية. كما دعت الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان إلى إرسال لجان تحقيق عاجلة إلى السجون الإسرائيلية. في المقابل، عبّرت منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش عن قلقها البالغ من هذا التطور الخطير، واعتبرت أن تمرير القانون هو محاولة لإضفاء الشرعية على الإعدامات الجماعية، وأن ما يجري في السجون الإسرائيلية من حرمان وتجويع وتعذيب يشكل خرقا فاضحا للقانون الدولي الإنساني، داعية إلى محاسبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وتوصل الفريق القانوني للاتحاد من أجل العدالة إلى أن ما ارتكبته اسرائيل وما زالت ترتكبه يعتبر جريمة حرب ، حيث تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على أن الأسرى والمعتقلين في زمن الحرب يتمتعون بالحماية الكاملة من القتل أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية. وتنص المادة (3) المشتركة في الاتفاقيات الأربع على حظر مطلق “للاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، ولا سيما القتل بجميع أشكاله، والتعذيب، والمعاملة القاسية”، فيما تؤكد المادة (126) على حق ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر في زيارة المعتقلين بانتظام. إن حرمان الأسرى من هذه الحقوق يشكّل خرقا فاضحا للاتفاقية، ويضع إسرائيل تحت طائلة المسؤولية الدولية كقوة احتلال. كما أن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر القتل العمد، والتعذيب، والإعدام دون محاكمة عادلة، والمعاملة القاسية من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ما يجعل مشروع قانون الإعدام وممارسات إسرائيل بحق الأسرى جريمة قانونية مكتملة الأركان تستوجب الملاحقة الدولية.
إن هذه الممارسات لا يمكن فصلها عن السياق السياسي العام الذي يحاول من خلاله الاحتلال الإسرائيلي إلغاء الصفة الإنسانية والقانونية للأسرى الفلسطينيين، وتحويلهم إلى أرقام بلا حقوق ولا كرامة. فالقانون الجديد، إلى جانب القيود والإجراءات الميدانية، يعبّر عن سياسة رسمية تهدف إلى إنهاء ملف الأسرى عبر وسائل الإعدام المادي والمعنوي معا. إن استمرار هذا النهج يهدد ليس فقط حياة الآلاف من المعتقلين، بل يقوّض المنظومة القانونية الدولية بأكملها التي قامت لحماية الإنسان وقت الحرب. وعليه، فإن السكوت على ما يحدث يعني القبول بشرعنة القتل كسياسة دولة، ويحوّل القانون من وسيلة للعدالة إلى أداة للجريمة.
انتهى