
تقرير الإتحاد من أجل العدالة حول واقع الإنتهاكات في السودان
19/11/2025 – الإتحاد من أجل العدالة
يشهد السودان منذ اندلاع الصراع في 15 ابريل 2023 سلسلة من الأزمات المتلاحقة التي أدت إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وتدهور حالة حقوق الإنسان بصورة خطيرة. فمع تصاعد النزاعات المسلحة وغياب الاستقرار السياسي والأمني، أصبحت الانتهاكات تجاه المدنيين واقعًا يوميًا يهدد حياتهم وكرامتهم. وقد تنوعت هذه الانتهاكات بين القتل العشوائي والتهجير القسري والاستهداف المباشر للبنى التحتية الحيوية، إضافة إلى القيود الصارمة على حرية الحركة وتقييد العمل الإنساني.
يتناول هذا التقرير تحليل أبرز الانتهاكات التي وقعت خلال الفترة الأخيرة، واستعراض آثارها المباشرة على السكان المدنيين، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه الجهود الدولية، سعياً لفهم أعمق لواقع الأزمة وسبل التخفيف من تداعياتها.

وفي تقرير صادر عن مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الانسان في السودان، أشار التقرير إلى أن “مليشيا قوات الدعم السريع المتمردة ارتكبت الإبادة الجماعية والقتل خارج نطاق القانون في ولاية الجزيرة، ومناطق الجنينة، وأردمتا، والجموعية، والصالحة، والأبيض، والنهود، والخوي، ومعسكري زمزم وأبوشوك”، كما بلغ العدد الإجمالي لضحايا الانتهاكات 28 ألفا و613 قتيلا، و43 ألفا و575 جريحا والعدد بازدياد حتى الوقت الحالي.
كما أشار التقرير إلى أن “المليشيا المتمردة” استخدمت العنف الجنسي الواسع النطاق من اغتصاب فردي وجماعي واسترقاق جنسي كسلاح، وأداة للإذلال بهدف تشريد المجتمعات والتغيير الديمغرافي.
وأشار أيضا إلى أن هذه الانتهاكات وثقتها تقارير الأمم المتحدة، كما سجلت اللجنة الوطنية 98 دعوى تتعلق بالاغتصاب، ووثقت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة 1392 اغتصابا بينهن قاصرات، وهي تمثل أقل من 2% من الحالات المعلنة بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية.
ووفق التقرير ذاته، انتهكت “المليشيا المتمردة” حقوق الأطفال بتجنيد 9 آلاف منهم قسريا ودفعت بهم إلى ساحات القتال. واستعانت بعصابات من المرتزقة الأجانب من أكثر من 12 دولة.
وبلغت حالات الإخفاء القسري 14 ألفا و506 حالات وفقا للتحقيقات التي أجرتها اللجنة الوطنية، فضلا عن تصفية الأسرى. وتحدث التقرير عن اكتشاف 965 مقبرة جماعية يُرجح أنها ضمت أعدادا كبيرة من حالات الإخفاء والاحتجاز القسري والأسرى الذين تمت تصفيتهم.
ومن خلال متابعة الاتحاد من أجل العدالة لمجريات الأحداث في السودان، تبين أنه تم استخدام التجويع على المدنيين كسلاح حرب من خلال حصار المساعدة الإنسانية والغذاء، بالإضافة إلى ارتكاب أبشع الجرائم بحق الانسانية يتخللها عمليات الاعدام الجماعي بحق المدنيين، والاغتصاب، والتجنيد القسري، والاخفاء القسري، والتعذيب، وغيرها.
ومن خلال الجهود البحثية للاتحاد من أجل العدالة تم الوصول إلى بعض الشهادات المروعة التي حصلت عليها وكالة رويترز لهاربين من هجوم قوات الدعم السريع لمنطقة الفشير، قال أحد الشهود “أنه كان ضمن مجموعة تحاول الهروب من قصف كثيف عندما حاصرتهم شاحنات قوات الدعم السريع، ورششت المدنيين بنيران الرشاشات وسحقتهم بسياراتهم، وكان ضمنهم شباب وكبار في السن، وأطفال”.
وقال شاهد اخر: “إن بعض المدنيين اختطفهم مقاتلو قوات الدعم السريع إلى جهات مجهولة، ولا يعرف مصيرهم”.
وفي شهادة اخرى لشخص يدعى مبارك:” خمسون أو ستين شخصا في شارع واحد، يقتلونهم بضربة، بانغ، بانغ، ثم كانوا يذهبون إلى الشارع التالي، ومرة أخرى دق بانغ، بانغ، بانغ، هذه هي المجزرة التي رأيتها أمامي، كما. قال إن العديد من الناس، الذين غالبا ما كانوا مصابين أو كبار السن، لم يغادروا المدينة وقتلوا في منازلهم”.
كما أمر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتاريخ 14/11/2025 بفتح تحقيق في الانتهاكات التي وقعت في مدينة الفاشر السودانية، والسعي لتحديد هوية مرتكبيها لتقديمهم للعدالة، وذلك في ختام جلسة خاصة حول السودان. كما اعتمد المجلس، وهو أعلى هيئة حقوقية في الأمم المتحدة، قراراً يأمر بعثة تقصي الحقائق المستقلة التابعة لها في السودان بالتحقيق بشكل عاجل في تلك الانتهاكات، داعياً إلى “تحديد هوية الجناة المشتبه بهم، حيثما أمكن لضمان محاسبتهم.
وقال فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة :”لقد صُوِّرت بقع الدماء على أرض الفاشر من الفضاء”، مضيفاً أن “وصمة العار على جبين المجتمع الدولي أقل وضوحاً، لكنها ليست أقل ضرراً”، داعياً إلى ضرورة اتخاذ إجراءات “ضد الأفراد والشركات التي تُؤجج هذه الحرب وتستفيد منها”.
ولكل ما سبق تظهر المعطيات التي سبق ذكرها، بالإضافة إلى الشهادات الحية إلى حجم الانتهاكات في السودان الذي بات يتجاوز الحدود الانسانية المقبولة، ويعكس واقعا مروعاً يهدد حياة المدنيين واستقرار المجتمع السوداني ككل، حيث أكدت هذه الشهادات أن العنف لم يعد حدثا طارئا بل أصبح نمطا يتطلب مواجهة حقيقية وجماعية.
وانطلاقا من رؤية مؤسسة الاتحاد من أجل العدالة القائمة على الدفاع عن حقوق الانسان، وتوثيق الحقائق، نؤكد أن مسؤوليتنا لا تقف عند حدود رصد الانتهاكات، بل تتجاوز ذلك نحو العمل على ايصال أصوات المتضررين، وتوفير حماية عاجلة للمدنيين في جميع مناطق النزاع، كما تؤكد المؤسسة على أن التوثيق هو خطوة أساسية لردع الجناة، ودعم أي مسار مستقبلي للمحاسبة، وعليه يدعو هذا التقرير جميع الفاعلين الاقليميين والدوليين إلى تعزيز جهودهم لوقف الانتهاكات، وضمان وصول المساعدات الانسانية، وحماية الفئات الأكثر ضعفا، تمهيدا لبناء واقع آمن يتيح للمواطنين السودانيين استعادة حياتهم وحقوقهم الأساسية.
انتهى